سورة الإنسان - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الإنسان)


        


{إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا} والشُّكور مصدر كالعُقود والدُّخول والخروج. قال مجاهد وسعيد بن جبير: إنهم لم يتكلموا به ولكن علم الله ذلك من قلوبهم، فأثنى عليهم. {إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا} تعبس فيه الوجوه من هوله وشدته، نسب العبوس إلى اليوم، كما يقال: يوم صائم وليل قائم. وقيل وصف اليوم بالعبوس لما فيه من الشدة {قَمْطَرِيرًا} قال قتادة، ومجاهد، ومقاتل: القمطرير: الذي يقبض الوجوه والجباه بالتعبيس. قال الكلبي: العبوس الذي لا انبساط فيه، والقمطرير الشديد، قال الأخفش: القمطرير أشد ما يكون من الأيام وأطوله في البلاء، يقال: يوم قمطرير وقماطر، إذا كان شديدًا كريهًا، واقْمَطَّر اليوم فهو مُقْمَطِر. {فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ} الذي يخافون {وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً} حسنا في وجوههم، {وَسُرُورًا} في قلوبهم. {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا} على طاعة الله واجتناب معصيته، وقال الضحاك: على الفقر. وقال عطاء: على الجوع. {جَنَّةً وَحَرِيرًا} قال الحسن: أدخلهم الله الجنة وألبسهم الحرير.


{مُتَّكِئِينَ} نصب على الحال {فِيهَا} في الجنة {عَلَى الأرَائِكِ} السرُر في الحِجال، ولا تكون أريكة إلا إذا اجتمعا {لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلا زَمْهَرِيرًا} أي صيفًا ولا شتاء. قال مقاتل: يعني شمسًا يؤذيهم حرها ولا زمهريرا يؤذيهم برده، لأنهما يؤذيان في الدنيا. والزمهرير: البرد الشديد. {وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا} أي قريبة منهم ظلال أشجارها، ونصب {دانية} بالعطف على قوله: {متكئين} وقيل: على موضع قوله: {لا يرون فيها شمسًا ولا زمهريرًا} ويرون {دانيةً} وقيل: على المدح {وَذُلِّلَتْ} سُخرت وقُربت {قُطُوفُهَا} ثمارها {تَذْلِيلا وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآَنِيةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا} يأكلون من ثمارها قياما وقعودا ومضطجعين ويتناولونها كيف شاءوا على أي حال كانوا. {قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ} قال المفسرون: أراد بياض الفضة في صفاء القوارير، فهي من فضة في صفاء الزجاج، يرى ما في داخلها من خارجها.
قال الكلبي إن الله جعل قوارير كل قوم من تراب أرضهم، وإن أرض الجنة من فضة، فجعل منها قوارير يشربون فيها {قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا} قدروا الكأس على قدر ريِّهم لا يزيد ولا ينقص، أي قدرها لهم السقاة والخدم الذين يطوفون عليهم يقدرونها ثم يسقون. {وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلا} يشوق ويطرب، والزنجبيل: مما كانت العرب تستطيبه جدا، فوعدهم الله تعالى أنهم يسقون في الجنة الكأس الممزوجة بزنجبيل الجنة. قال مقاتل: لا يشبه زنجبيل الدنيا. قال ابن عباس: كل ما ذكر الله في القرآن مما في الجنة وسماه ليس له في الدنيا مثل. وقيل: هو عين في الجنة يوجد منها طعم الزنجبيل. قال قتادة: يشربها المقربون صرفا، ويمزج لسائر أهل الجنة. {عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلا} قال قتادة: سلسة منقادة لهم يصرفونها حيث شاءوا وقال مجاهد: حديدةٌ شديدة الجْرَية. وقال أبو العالية ومقاتل بن حيان: سميت سلسبيلا لأنها تسيل عليهم في الطرق وفي منازلهم تنبع من أصل العرش من جنة عدن إلى أهل الجنان وشراب الجنة على برد الكافور وطعم الزنجبيل وريح المسك. قال الزجَّاج: سميت سلسبيلا لأنها في غاية السلاسة تتسلسل في الحلق، ومعنى قوله: {تسمى} أي توصف لأن أكثر العلماء على أن سلسبيلا صفة لا اسم.


{وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا} قال عطاء: يريد في بياض اللؤلؤ وحسنه، واللؤلؤ إذا نثر من الخيط على البساط، كان أحسن منه منظوما. وقال أهل المعاني: إنما شُبِّهوا بالمنثور لانتثارهم في الخدمة، فلو كانوا صفًا لشبهوا بالمنظوم. {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ} أي إذا رأيت ببصرك ونظرت به ثَمَّ يعني في الجنة {رَأَيْتَ نَعِيمًا} لا يوصف {وَمُلْكًا كَبِيرًا} وهو أن أدناهم منزلة ينظر إلى ملكه في مسيرة ألف عام يرى أقصاه كما يرى أدناه. وقال مقاتل والكلبي: هو أن رسول رب العزة من الملائكة لا يدخل عليه إلا بإذنه. وقيل: ملكًا لا زوال له. {عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ} قرأ أهل المدينة وحمزة: {عاليْهِم} ساكنة الياء مكسورة الهاء، فيكون في موضع رفع بالابتداء، وخبره: ثياب سندس، وقرأ الآخرون بنصب الياء وضم الهاء على الصفة، أي فوقهم، وهو نصب على الظرف {ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ} قرأ نافع وحفص {خضر واستبرق} مرفوعا عطفا على الثياب، وقرأهما حمزة والكسائي مجرورين، وقرأ ابن كثير وأبو بكر {خضر} بالجر و{إستبرقٌ} بالرفع، وقرأ أبو جعفر وأهل البصرة والشام على ضده فالرفع على نعت الثياب والجر على نعت السندس وإستبرق بالرفع على أنه معطوف على وثياب إستبرقٍ فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه كقوله: {واسأل القرية} أي أهل القرية، ومثله قوله: خز أي ثوب خز، وأما جر إستبرق فعلى أنه معطوف على سندس وهو جر بإضافة الثياب إليه، وهما جنسان أضيفت الثياب إليهما كما تقول: ثوب خز وكتان فتضيفه إلى الجنسين.
{وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} قيل: طاهرًا من الأقذار والأقذاء لم تدنسه الأيدي والأرجل كخمر الدنيا.
وقال أبو قلابة وإبراهيم: إنه لا يصير بولا نجسًا ولكنه يصير رشحًا في أبدانهم، ريحه كريح المسك، وذلك أنهم يؤتون بالطعام، فإذا كان آخر ذلك أتوا بالشراب الطهور، فيشربون فيطهر بطونهم ويصير ما أكلوا رشحًا يخرج من جلودهم ريحًا أطيب من المسك الإذفر، وتضمر بطونهم وتعود شهوتهم.
وقال مقاتل: هو عين ماء على باب الجنة من شرب منها نزع الله ما كان في قلبه من غل وغش وحسد.

1 | 2 | 3